الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)
.السَّادِسَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ مُخْتَلِفَانِ فِي الصَّرَاحَةِ وَالتَّأْوِيلِ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يكتم إيمانه} {قال رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} وَلَمَّا كَانَ الظَّرْفُ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْمُفْرَدِ وَشَبَهٌ مِنَ الْجُمْلَةِ جُعِلَ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ أَوْجَبَ ابن عصفور وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين} وَلَا يُقَالُ: إِنَّ {أَذِلَّةٍ} بَدَلٌ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَالْبَدَلُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْجَوَامِدِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ هُوَ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهَذَا كتاب أنزلناه مبارك} فَقِيلَ: إِنَّهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْمُفْرَدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ {مُبَارَكٌ} خَبَرًا لِمَحْذُوفٍ فَلَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْبَابِ. .السَّابِعَةُ: فِي اجْتِمَاعِ التابع والمتبوع: وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وغرابيب سود} وَهِيَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي صَدِئَتْ فِيهَا الْأَذْهَانُ الصَّقِيلَةُ وَعَادَتْ بِهَا أَسِنَّةُ الْأَلْسِنَةِ مَفْلُولَةً وَمِنْ جُمْلَةِ الْعَجَائِبِ أَنَّ شَيْخًا أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى مُدَرِّسٍ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ: إِنَّمَا ذَكَرَ السَّوَادَ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي الْغِرْبَانِ مَا فِيهِ بَيَاضٌ وَقَدْ رَأَيْتُهُ بِبِلَادِ الْمَشْرِقِ فَلَمْ يَفْهَمْ مِنَ الْآيَةِ إِلَّا أَنَّ الْغَرَابِيبَ هُوَ الْغُرَابُ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بالله! وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِتَقْدِيمِ (الْغَرَابِيبِ) هُوَ تَنَاسُبُ الْكَلِمِ وَجَرَيَانُهَا عَلَى نَمَطٍ مُتَسَاوِي التَّرْكِيبِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ الْبِيضُ والحمر دون إتباع كان الأليق بحسن النسق وترتيب النظام أني يَكُونَ السُّودُ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي السُّودِ هُنَا زِيَادَةُ الْوَصْفِ كَانَ الْأَلْيَقُ فِي الْمَعْنَى أَنْ يُتْبَعَ بِمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهُوَ الْغَرَابِيبُ فَيُقَابِلُ حَظَّ اللَّفْظِ وَحَظَّ الْمَعْنَى فَوَفَّى الْخِطَابَ وَكَمُلَ الْغَرَضَانِ جَمِيعًا وَلَمْ يَطْرَحْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَيَقَعُ النَّقْصُ مِنْ جِهَةِ الطَّرْحِ وَذَلِكَ بِتَقْدِيمِ الْغَرَابِيبِ عَلَى السُّودِ فَوَقَعَ فِي لَفْظِ الْغَرَابِيبِ حَظُّ الْمَعْنَى فِي زِيَادَةِ الْوَصْفِ وَفِي ذِكْرِ السُّودِ مُفْرَدًا مِنَ الْإِتْبَاعِ حَظُّ اللَّفْظِ إذا جَاءَ مُجَرَّدًا عَنْ صُورَةِ الْبِيضِ وَالْحُمْرِ فَاتَّسَقَتِ الْأَلْفَاظُ كَمَا يَنْبَغِي وَتَمَّ الْمَعْنَى كَمَا يَجِبُ وَلَمْ يُخِلَّ بِوَاحِدَةٍ مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْغَرَابِيبِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَضَمِّنَةً لِمَعْنَى السُّودِ لئلا تتنافر الألفاظ فإن ضم الغرابيب إِلَى الْبَيْضِ وَالْحُمْرِ وَلَزَّهَا فِي قَرْنٍ وَاحِدٍ: غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِتَلَاؤُمِ الْأَلْفَاظِ وَتَشَاكُلِهَا وَبِذِكْرِ السُّودِ وَقَعَ الِالْتِئَامُ وَاتَّسَقَ نَسَقُ النِّظَامِ وَجَاءَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى فِي دَرَجَةِ التَّمَامِ وَهَذَا لَعَمْرُ اللَّهِ مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي تَكِلُّ دُونَهَا الْعُقُولُ وَتَعْيَا بِهَا الْأَلْسُنُ لَا تَدْرِي مَا تَقُولُ! وَالْحَمْدُ لله. ثُمَّ رَأَيْتُ أَبَا الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيَّ أَشَارَ إِلَى مَعْنًى غَرِيبٍ فَنَقَلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الدَّيْنَوَرِيِّ أَنَّ الْغِرْبِيبَ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنَ الْعِنَبِ وَلَيْسَ بِنَعْتٍ قَالَ: وَمِنْ هَذَا يُفْهَمُ مَعْنَى الْآيَةِ وَسُودٌ عِنْدِي بَدَلٌ لَا نَعْتٌ وَإِنْ كَانَ الْغِرْبِيبُ إِذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِذِكْرِ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ قَلَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعِنَبُ الَّذِي هُوَ اسْمُهُ خَاصَّةً فَمِنْ ثَمَّ حَسُنَ التَّقْيِيدُ. .الثامنة: عند تكرار النعوت لواحد: وَالْعَطْفُ أَحْسَنُ إِنْ تَبَاعَدَ مَعْنَى الصِّفَاتِ نَحْوَ: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} وَإِلَّا فَلَا. .التَّاسِعَةُ: فَصْلُ الْجُمَلِ فِي مَقَامِ المدح والذم أبلغ من جعلها نمط وَاحِدًا: وَمِثْلُهُ فِي الْمَدْحِ قَوْلُهُ: {وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصلاة والمؤتون الزكاة} فانتصب {والمقيمين} عَلَى الْقَطْعِ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي هُوَ {الْمُؤْمِنُونَ} وَقِيلَ: بَلِ انْتَصَبَ بِالْعَطْفِ عَلَى قوله: {بما أنزل إليك} وَهُوَ مَجْرُورٌ وَكَأَنَّهُ قَالَ: يُؤْمِنُونَ بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَبِالْمُقِيمِينَ أَيْ بِإِجَابَةِ الْمُقِيمِينَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمَوْضِعَ لِلتَّفْخِيمِ فَالْأَلْيَقُ بِهِ إِضْمَارُ الْفِعْلِ حَتَّى يَكُونَ الْكَلَامُ جُمْلَةً لَا مُفْرَدًا. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ} نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ. وَجَوَّزَ السِّيرَافِيُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القربى} إِلَى أَنْ قَالَ: {وَالصَّابِرِينَ} وَرَدَّهُ الصَّفَّارُ بِأَنَّهُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَوْصُولِ قَبْلَ تَمَامِ الصِّلَةِ وَإِنْ كَانَ {وَالصَّابِرِينَ} مَعْطُوفًا عَلَى {وَالسَّائِلِينَ} فَهُوَ مِنْ صِلَةِ (مَنْ) فَكَذَلِكَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْطُوفُ (مِنْ) صِلَةِ مَنْ وَتَكُونُ الصلة كملت عند قوله تعالى: {وآتى الزكاة} ثُمَّ أَخَذَ فِي الْقَطْعِ وَمِثَالُهُ فِي الذَّمِّ: {وامرأته حمالة الحطب} بِنَصْبِ {حَمَّالَةَ}. .تَنْبِيهَانِ: وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي له ملك السماوات والأرض} رفع على الإبدال من {الذي نزل} أَوْ رُفِعَ عَلَى الْمَدْحِ أَوْ نُصِبَ عَلَيْهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالْإِبْدَالُ أَوْلَى لِأَنَّ مِنْ حَقِّ صِلَةِ الْمَوْصُولِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً عِنْدَ الْمُخَاطَبِ وكونه تعالى {نزل الفرقان على عبده} لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلْعَالَمِينَ فَأُبْدِلَ بِقَوْلِهِ: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} بَيَانًا وَتَفْسِيرًا وَتَبَيَّنَ لَكَ المدح. وجوابه ما ذكرنا أن المنزل بمنزلة المعلوم منزلة المعلوم وها هنا لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ أُجْرِيَ مَجْرَى الْمَعْلُومِ وَجُعِلَتْ صِلَةً نَصَّ عَلَيْهِ سِيبَوَيْهِ وَالْجُمْهُورُ. وَثَانِيهُمَا: أَنْ يَكُونَ الصفة للثناء والتعظيم: واشرط بَعْضُهُمْ ثَالِثًا وَهُوَ تَقَدُّمُ الْإِتْبَاعِ حَكَاهُ ابْنُ بابشاذ. وَزَيَّفَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَالَ: إِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَوْصُوفُ يَفْتَقِرُ إِلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ فَحِينَئِذٍ يَتَقَدَّمُ الْإِتْبَاعُ لِيَسْتَحْكِمَ الْعِلْمُ بِالْمَوْصُوفِ أَمَّا إِذَا كَانَ مَعْلُومًا فَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى زِيَادَةِ بَيَانٍ قَالَ: وَالْأَصْلُ-فِيمَا الصِّفَةُ فِيهِ مَدْحٌ أَوْ ذَمٌّ وَالْمَوْصُوفُ مَعْلُومٌ- قَطْعُ الضَّمِيرِ وَهُوَ الْأَفْصَحُ وَلَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أُورِدَ عَلَى دَعْوَى أَفْصَحِيَّةِ الْقَطْعِ عِنْدَ ذَلِكَ إِجْمَاعُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ عَلَى الْإِتْبَاعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فَضَعَّفُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى الْقَطْعِ مَعَ حُصُولِ شَرْطَيِ الْقَطْعِ. وَأَجَابَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِأَنَّ اخْتِيَارَ الْقَطْعِ مُطَّرِدٌ مَا لَمْ تَكُنِ الصِّفَةُ خَاصَّةً بِمَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ لَا يَلِيقُ وَلَا يَتَّصِفُ بِهَا سِوَاهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ قَلِيلٌ جِدًّا فَكَذَلِكَ لَمْ يُفْصِحْ سِيبَوَيْهِ بِاشْتِرَاطِهِ فَإِذَا كَانَتِ الصف مِمَّنْ لَا يُشَارِكُ فِيهَا الْمَوْصُوفُ غَيْرَهُ وَكَانَتْ مُخْتَصَّةً بِمَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ فَالْوَجْهُ فِيهَا الْإِتْبَاعُ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِمَّا يَتَّصِفُ بِهِ غَيْرُهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْطَعُ وَعَلَيْهِ وَرَدَ السَّمَاعُ لِهَذِهِ الْآيَاتِ الشَّرِيفَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطول} لَمَّا كَانَ وَصْفُهُ تَعَالَى بِـ: {غَافِرِ الذَّنْبِ} وَمَا بَعْدَهُ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا الْإِتْبَاعُ وَالْإِتْبَاعُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْقَطْعِ وَيَلْزَمُ الْإِتْبَاعُ فِي الْكُلِّ. وَهَذَا مَعَ تَكَرُّرِ الصِّفَاتِ وَذَلِكَ مِنْ مُسَوِّغَاتِ الْقَطْعِ عَلَى صِفَةٍ مَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ مِنْ غَيْرِ تقييد بصفة. وَأَمَّا الْإِتْبَاعُ فِيمَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ مِنْ صِفَتِهِ تَعَالَى فَكَثِيرٌ فَهَذَا هُوَ السَّمَاعُ وَلَهُ وَجْهٌ فِي الْقِيَاسِ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْوَارِدِ فِي سُورَةِ وَالنَّجْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى وأنه هو رب الشعرى} فَوَرَدَ فِي هَذِهِ الْجُمَلِ الْأَرْبَعِ الْفَصْلُ بِالضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا لِيَتَحَدَّدَ بِمَفْهُومِهِ نَفْيُ الِاتِّصَافِ عَنْ غَيْرِهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ وَكَانَ الْكَلَامُ فِي قُوَّةِ أَنْ لَوْ قِيلَ: (وَأَنَّهُ هُوَ لَا غَيْرُهُ) وَلَمْ يَرِدْ هَذَا الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذكر والأنثى} لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَتَعَاطَاهُ أَحَدٌ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا ادِّعَاءً بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فِيمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نُمْرُوذَ. قُلْتُ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَوَابِ يَرُدُّ عَلَيْهِ قوله تعالى: {التائبون العابدون} الآية وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مسلمات} الْآيَاتِ. وَمِمَّا يَرُدُّ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِأَوْصَافِ الذَّمِّ قَوْلُهُ: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ} الآية قَدْ جَرَتْ كُلُّهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا بِالْإِتْبَاعِ وَلَمْ يَجِئْ فِيهَا الْقَطْعُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: {عُتُلٍّ} بِالرَّفْعِ عَلَى الذَّمِّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تَقْوِيَةٌ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الثَّانِي قَدْ يَلْتَبِسُ الْمَنْصُوبُ عَلَى الْمَدْحِ بِالِاخْتِصَاصِ وَقَدْ فَرَّقَ سِيبَوَيْهِ بَيْنَهُمَا فِيمَا بَيَّنَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْصُوبَ عَلَى الْمَدْحِ أَنْ يَكُونَ الْمُنْتَصِبُ لَفْظًا يَتَضَمَّنُ نَفْسُهُ مَدْحًا نَحْوَ (هَذَا زِيدٌ عَاقِلُ قَوْمِهِ) وَفِي الِاخْتِصَاصِ لَا يَقْتَضِي اللفظ ذلك كقوله تعالى: {رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت} فيمن نصب {أهل}. .العاشرة: في وصف الجمع بالمفرد: وكذلك قوله تعالى: {قال فما بال القرون الأولى} فَإِنَّ الْأُولَى تَأْنِيثُ الْأَوَّلِ وَهُوَ صِفَةٌ لِمُفْرَدٍ. وَإِنَّمَا حَسُنَ وَصْفُ الْجَمْعِ بِالْمُفْرِدِ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُؤَنَّثَ يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُؤَنَّثِ بِخِلَافِ لفظ المذكر وأما قوله تعالى: {وكنتم قوما بورا} وَالْبُورُ الْفَاسِدُ فَقَالَ الرُّمَّانِيُّ: هُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ إِلَّا أَنَّهُ تُرِكَ جَمْعُهُ فِي اللَّفْظِ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وُصِفَ. وَقَدْ يُوصَفُ الْجَمْعُ بِالْجَمْعِ وَلَا يُوصَفُ مُفْرَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْمُفْرَدِ وَمِنْهُ: {فَوَجَدَ فيها رجلين يقتتلان} فَثَنَّى الضَّمِيرَ وَلَا يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ يَقْتَتِلُ ومنه: {وأخر متشابهات} ولا يقال وأخرى متشابهة. .الحادية عشر: قَدْ تَدْخُلُ الْوَاوُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ صِفَةً تَأْكِيدًا: وَقَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ ابْنُ مَالِكٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُمَا وَالْقِيَاسُ مَعَ الزَّمَخْشَرِيِّ لِأَنَّ الصِّفَةَ كَالْحَالِ فِي الْمَعْنَى وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُؤْتَى بِالْوَاوِ فِي الصِّفَاتِ إِلَّا إِذَا تَكَرَّرَتِ النُّعُوتُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثامنهم كلبهم} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} وَتَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَالْعَالِمُ.
|